تكاد مشاريع البنى التحتية والمشاريع الإنمائية في تركيا تبدأ ولا تنتهي، ولا تتوقف المشاريع الحكومية عند بناء وتطوير الجسور والأنفاق والطرق السريعة بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك ومن شأنه أن يرسم ملامح مستقبل تركيا ويخطط لطريق واضح نحو العالمية وتركيا أكثر قوة وازدهاراً بما يعزز من أمنها القومي والاستراتيجي ويمنح دفعة إضافية لاقتصادها والاستثمار في تركيا بشكلٍ عام.
أهم وأضخم مشاريع البنى التحتية والإنمائية في تركيا:
بعد أن تحدثنا في مقالٍ سابق عن تطور البنى التحتية بما يخص الطرق والجسور والأنفاق نتناول اليوم ما هو أضخم وأكبر وذو مستوى هائل من حيث الإمكانات والتكاليف والأفكار والتنفيذ، فقد بدأت الحكومة التركية منذ حوالي 10 سنوات إطلاق سلسلة من المشاريع الضخمة منها ما أضهى جاهزاً ومنها ما افتتح بمراحله الأولى ومنها مازال قيد الإنشاء ومن أبرز هذه المشاريع نذكر:
مطار إسطنبول الدولي İstanbul Uluslararası Havalimanı:
افتتحت المرحلة الأولى من مطار إسطنبول الدولي يوم 29/10/2018 بالتزامن مع الذكرى السنوية الخامسة والتسعين لتأسيس الجمهورية التركية بحضور رسمي وشعبه لاسيما الرئيس التركي “رجب طيّب أردوغان”
ويهدف لأن يكون المطار عند افتتاح جميع مراحله واحد من أكبر مطارات العالم من ناحية القدرة الاستيعابية لعدد المسافرين والمستخدمين السنوي، وانطلقت أول رحلة طيران دولية من مطار إسطنبول الدولي في شهر نيسان/أبريل 2019 بعد نقل جميع الرحلات المجدولة في مطار أتاتورك الدولي قبيل إغلاقه بشكل نهائي.
يقع مطار إسطنبول الدولي في وسط وشمال الجانب الأوروبي لمدينة إسطنبول تحديداً في منطقة أرناؤوط كوي بالقرب من ضفاف البحر الأسود، وتم اختيار هذه المنطقة بدلاً من منطقة مطار أتاتورك المغلق كونها من المناطق الآمنة زلزلياً.
يتألف المطار من خمس صالات مستقبلة للمسافرين تضم 143 جسر للركاب وستة مدرجات للهبوط وبرج مراقبة وموقف يتسع لـ 40 ألف سيارة، عدا عن 16 ممر للطائرة وساحة لوقوف الطائرات ستبلغ 500 طائرة في وقت واحد عند انتهاء التشييد الكليّ، بالإضافة لمناطق تقنية ومراقبة وختم للجوازات وتسليم واستلام الحقائب.
يضم مطار إسطنبول الدولي أيضاً سوق حرة ومطاعم ومقاهي وفندق ومحطة مترو ومتحف المطار، وخدمات الصراف الآلي لعدة بنوك محلية ودولية، وخدمة تأجير السيارات، ومرافق أخرى لخدمة وراحة المسافرين.
مركز إسطنبول للتمويل الدولي İstanbul Uluslararası Finans Merkezi:
تم الإعلان عن مشروع مركز إسطنبول المالي لأول مرة في العام 2008 ووضع حجر الأساس له في 29 أيلول من العام 2009 وصمم على شكل أربعة أقسام وظف بها أحدث تقنيات المُدن الذكية وخدمات الإنترنت.
يقع مركز إسطنبول المالي في حي أتاشهير التابع لقضاء عمرانية في إسطنبول الآسيوية، ويضم مبانٍ تابعة للمؤسسات الخاصة ومؤسسات التدقيق ومبانٍ تابعة للبنك المركزي التركية ومقار رئيسية للمصارف التركية أبرزها:
- بنك زراعات
- بنك هالك
- بنك وقف
بالإضافة إلى وكالة التنظيم والرقابة المصرفية BDKK ومجلس أسواق رأس المال SPK وعدة مقار منظمات ومؤسسات مالية.
يمتد مركز إسطنبول للتمويل الدولي على مساحة أرض 3.5 مليون متر مربع موزعة على شكل مبانٍ مكتبية بمساحة 1.4 مليون متر مربع ومول تجاري بمساحة 100 ألف متر مربع ومركز مؤتمرات بسعة 2100 شخص وقاعة أداء متعددة الاستخدامات وفندق خمس نجوم ومركز تعليم مالي ومواقف تتسع لـ 26 ألف سيارات عدا عن المناطق الترفيهية.
من أبرز أهداف مشروع مركز إسطنبول للتمويل الدولي توفير فرص عمل لما يزيد عن 120 ألف موظف وينتظر استقباله لأكثر من 75 ألف زائر يومياً، أما هدفه الأسمى هو الارتقاء بمدينة إسطنبول التركية إلى مستوى مالي يصل بها إلى أن تكون عاصمة دولية للتمويل وتنافس كبرى المراكز المالية العالمية وأن تكون ضمن قائمة العشرة الأوائل.
افتتحت المرحلة الأولى من مركز إسطنبول المالي في نيسان/أبريل من العام 2023 خلال الحملة الانتخابية التي قادها أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية الأخيرة.
قناة إسطنبول المائية İstanbul Su Kanalı:
يهدف مشروع قناة إسطنبول المائية إلى تخفيف العبء عن مضيق البوسفور عبر افتتاح ممر مائي أشبه ببوسفور ثاني لإسطنبول لتسيير رحلات السفن التجارية والمحملة بالبضائع والمواد الخطرة على البيئة بين أوروبا وأفريقيا وبالعكس عبر مياه البوسفور.
يستقبل مضيق البوسفور حالياً حوالي 43 ألف سفينة تجارية سنوياً وقد ارتفعت حركة السفن من 4000 سفينة إلى حوالي 45 ألف سنوياً علماً أن أضيق منطقة فيه يبلغ عرضها 698 متراً الأمر الذي يشكل ضغطاً كبيراً على البوسفور بأصالته التاريخية وموقعه السياحي ما دفع الحكومة التركية إلى التفكير عن بدائل.
يقع طريق ممر قناة إسطنبول المائية بين بحر مرمرة جنوب إسطنبول والبحر الأسود شمالها منى خلال بحيرة كوتشوك تشكمجة يصل طول قناة إسطنبول المائية إلى 45 كم بعرض قاعدة 275 متر وعمق 20.75 متراً، ووفقاً للتقديرات الحكومية فإن كلفة المشروع تصل إلى 25 مليار دولار، وكانت 56 مؤسسة تركية قد أجرت دراسات على التربة والبنية التحتية بإشراف أكثر من 200 عالم جيولوجي.
وبحسب التصريحات الرسمية فإن القناة ستفتتح رسمياً وستبدأ تسيير أول السفن التجارية في العام 2027.
ما علاقة المشاريع الإنمائية العملاقة بالاقتصاد والاستثمار في تركيا؟
إن استمرار الحكومات التركية المتعاقبة منذ حوالي 23 عاماً وحتى اليوم بإنشاء وتطوير المزيد من المشاريع الإنمائية الحكومية بما فيها مطارات ومراكز مالية وقنوات مائية من شأنها أن تشكل دافعاً قوياً لتعزيز الاقتصاد التركي من خلال تطوير البنى التحتية للبلاد التي تشكل منطلقاً للأعمال الصناعية والتجارية الداعمة للاقتصاد المحلي وجميع هذه الأمور تصب في النهاية بمصلحة الاستثمار في تركيا وجذب المزيد من المستثمرين من خلال تعزيز رؤيتهم وتشجيعهم على طرح مشاريع اقتصادية موازية لمشاريع الدولة التركية وفي مناطق المشاريع الإنمائية.
كما تؤدي مشاريع البنى التحتية في تركيا إلى ارتفاع القيم الاستثمارية للمدن والمناطق والأراضي والعقارات الواقعة في محيطها وبالتالي استمرارا ارتفاع أسعار العقارات التركية على المدى المنظور والمتوسط ما يلقي بظلاله الإيجابية في النهاية على واقع الاستثمار العقاري في تركيا ويطور من هذا القطاع الحيوي.