تنتهج تركيا نهجاً واضحاً منذ مطلع الألفية الثالثة أي منذ 23 عاماً يتمثل ببناء وتطوير مشاريع البنى التحتية وفق أسس حديثة تتناسب مع طبيعتها الجغرافية وموقعها على الهضبة الأناضولية وفي منطقة مرمرة، وتعزز البنية التحتية من قوة الاقتصاد التركي وتشكل دافعاً للمزيد من الاستثمارات في تركيا
ما المقصود بمفهوم “البنى التحتية”؟
البنى التحتية هي عبارة عن هياكل تنظيمية لتشغيل المجتمع والخدمات العامة المرافقة له والداخلة في تنمية اقتصادات الدول، ويمكن تعريف البنى التحتية على أنها مجموعة من العناصر الهيكلية المترابطة التي توفر أطر عمل تدعم الهيكل الكلي للتطوير، ويشير هذا المصطلح غالباً للهياكل الفنية التي تدعم المجتمع مثل الطرق والجسور والأنفاق والمطارات والمباني الخدمية الطبيّة والتعليمية والاقتصادية وموارد المياه والصرف الصحي والشبكات الكهربائية والاتصالات عن بعد وتسمى أيضاً المكونات المادية للأنظمة المترابطة التي توفر السلع والخدمات الضرورية اللازمة تمكين أو استدامة تطوير ظروف الحياة المجتمعية.
أبرز مشاريع البنى التحتية في تركيا بين عامي 2000-2023:
تعمل الحكومات التركية المتعاقبة على الحكم فترة في تركيا منذ العام 2000 وحتى اليوم على إنشاء ما يُعرف بـ “تركيا الجديدة” المتماشية مع أنظمة التطور العالمية على كافة المستويات انطلاقاً من إنشاء وتطوير بنى تحتية تتناسب مع مساحة تركيا الجغرافية ومكانتها الجيوسياسية وتعزيز اقتصادها المحلي وفرص الاستثمار في تركيا بما يصب بمصلحة الدور الريادي لتركيا كواحدة من الدول الاقتصادية الصناعية والتجارية مدفوعة بموقعها الذي يتوسط العالم وعوامل الجذب الاستثماري إليها، سنتناول في هذا المقال أبرز مشاريع الطرق والأنفاق ووسائل المواصلات العامة وعلاقتها بالاقتصاد والاستثمار في تركيا والآثار التي تلقيها على قطاع الاستثمار العقاري في تركيا، إن أهم مشاريع البنى التحتية في تركيا هي:
مترو أنفاق إسطنبول:
هو عبارة عن شبكة سكك حديدية لنقل الأشخاص تحت الأرض عبر قطار متعدد المركبات (مترو) موقعه مدينة إسطنبول التركية تشرف على تشغيله وتديره شركة مترو إسطنبول التابعة لبلدية إسطنبول الكبرى، افتتح مترو أنفاق إسطنبول لأول مرة في العام 1989 ويتضمن اليوم 104 محطات مترو على امتداد القارتين الأوروبية والآسيوية لإسطنبول عدا عن 64 محطة أخرى قيد الإنشاء.
مرمراي إسطنبول:
يربط مرمراي إسطنبول أوروبا بآسيا تحت مياه مضيق البوسفور والذي يسيّر رحلات مترو إسطنبول العامة للركاب من سكان المدينة وزوارها لم يرى النور قبل العام 2013 في رحلة عمل وإنشاء بدأت بين عامي 2002 و2004
ينطلق مترو مرمراي إسطنبول من محطة هالكالي بإسطنبول الأوروبية وصولاً لمحطة غبزة بإسطنبول الآسيوية مروراً بعدة محطات بين القارتين.
ميتروبوس إسطنبول:
افتتحت المرحلة الأولى من ميتروبوس إسطنبول في العام 2007 بينما اكتملت جميع مراحله في العام 2012، تمتد وسيلة النقل الميتروبوس على طريق E-5 السريع بمسافة تصل إلى 50 كم عبر عشرات الحافلات العاملة على الخط وتسير رحلاتها عبر 40 محطة في إسطنبول انطلاقاً من محطة توياب في منطقة بيليك دوزو بإسطنبول الأوروبية ووصولاً إلى محطة كادي كوي بإسطنبول الآسيوية.
نفق أوراسيا في إسطنبول:
يربط نفق أوراسيا بين شطري مدينة إسطنبول الأوروبية والآسيوية ويمر تحت مياه مضيق البوسفور وهي نفق مخصص للسيارات الخاصة عبر طريقي ذهاب وإياب، ويختصر المدة الزمنية من 100 دقيقة إلى 15 دقيقة فقط.
يمتد نفق أوراسيا على طول 14.6 كم 5.4 كم منها تحت مياه البوسفور وينطل من منطقة “قازلي تششمه” في إسطنبول الأوروبية ويصل حتى منطقة “غوزتبيه” في إسطنبول الآسيوية.
ويمتاز النفق بتقنيات إضاءة مُتطورة ونظم تهوية ذو قدرة عالية بالإضافة لمعدات إطفاء الحرائق يُمكن الوصول إليها بسهولة وتغطية جدرانه بمادة مقاومة للنار فضلاً عن أنظمة إخلاء الطوارئ، بالإضافة لضمه نظام كاميرات مراقبة على مدار اليوم وآخر لكشف الحوادث وأنظمة اتصالات وإنذار.
جسر السلطان ياووز سليم (البوسفور الثالث):
بالتركية Yavuz Sultan Selim Köprüsü وهو ثالث جسور مضيق البوسفور يقع في شمال إسطنبول فوق مياه مضيق البوسفور ويربط بين منطقتي ساريير في إسطنبول الأوروبية وبيكوز في إسطنبول الآسيوية بالقرب من ضفاف البحر الأسود.
بدأ أعمال تشييد جسر السلطان سليم الأول في العام 2013 وافتتح في أغسطس 2016 ويعتبر أحد أطول الجسور المعلّقة في العالم.
جسر عثمان غازي:
يصنف جسر عثمان غازي كرابع أطول جسر معلّق في العالم يصل طوله إلى 2682 متر ويعتبر أهم جزء من أجزاء مشروع الطريق السريع الواصل بين ولايات كوجالي، يالوفا، بورصة، إزمير، شيّد فوق بحر مرمرة بين ولايتي كوجالي ويالوفا بالقرب من مدينة إسطنبول التركية.
يمر الجسر فوق خليج إزميت بطول 252 متر وعرض 35.93 متر ويختصر مسافة التنقل بين ضفتي الخليج من ساعتين إلى 6 دقائق فقط، وقد افتتح جسر عثمان غازي الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في شهر يونيو من العام 2016
جسر تشاناكالي 1915:
يمتد جسر تشاناكالي (جناق قلعة) 1915 عبر مضيق الدردنيل ويربط بين القارتين الأوروبية والآسيوية بأطول مسافة مركزية في العالم على طول 2023 متراً، بدأت أعمال تأسيس الجسر في العام 2017 بهدف الربط بين طريق مالكارا – كاناكالي السريع ويحمل ألوان العلم التركي ويرمز إلى معركة جناق قلعة التي دارت رحاها في العام 1915 وأدت إلى تحرير واستقلال تركيا عن الغرب تمهيداً لتأسيس الجمهورية التركية فيما بعد.
افتتح جسر تشاناكالي 1915 في 18/03/2023 كدلالة على ارتفاع برج الجسر 318 متر.
طريق شمال مرمرة السريع:
شيّد طريق شمال مرمرة السريع على عدة مراحل بطول 398.4 كم ويربط بين ولايات “إسطنبول، كوجالي، سكاريا” ومزود بوسائل تكنولوجيا ومشيد بطريقة هندسية تختصر الزمن والجهد والوقود ويسهل الوصول بين المدن التركية الثلاث كما يحافظ على سلامة المركبات ويطيل عمر محركاتها.
يبدأ طريق شمال مرمرة من موقع “كنالي” غرب إسطنبول ويمر بولايات قوجه إيلي وسكاريا من الشمال وينتهي بالقرب من منطقة “أكيازي” في ولاية صقاريا ويتكون من 3 أقسام رئيسية، انتهت جميع مراحل بناء طريق شمال مرمرة السريع وافتتح بالكامل منتصف العام 2021.
طريق إسطنبول – إزمير السريع:
يربط هذا الطريق بين مدن إسطنبول، بورصة، إزمير ويختصر زمن الوصول بين إسطنبول وإزمير إلى ثلاث ساعات فقط بدلاً من ثماني ساعات عبر الطرق العادية، ويصل طريق إسطنبول – إزمير السريع بين منطقة إيجة والبحر الأبيض المتوسط وهو طريق حديث مجهز بتقنيات تكنولوجية ومراقبة على مدار الساعة.
نفق إسطنبول الكبير:
مشروع إنمائي قيد الإنشاء أعلن عنه أول مرة في نيسان/أبريل من العام الجاري 2023 خلال الحملة الانتخابية التي قادها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على أن يكون جاهزاً في السنوات القليلة المقبلة يتألف النفق الذي يمر أسفل البوسفور كثالث أنفاقه ويربط بين القارتين الأوروبية والآسيوية من 3 طوابق:
- الطابق الأول مخصص لوسيلة النقل المترو ذهاب وإياب.
- الطابق الثاني طريق ذهاب للسيارات الخاصة
- الطريق الثالث طريق إياب السيارات الخاصة.
يجمع نفق إسطنبول الكبير من ناحية التصاميم والأهداف بين نفقي أوراسيا المخصصة للسيارات ونفق مرمراي المخصص لوسيلة النقل مترو الأنفاق
ما علاقة تطوير البنى التحتية بالاقتصاد والاستثمار في تركيا؟
يمكننا الربط بين إنشاء وتطوير البنى التحتية في تركيا بالاقتصاد المحلي والاستثمار بشكل عام والاستثمار العقاري بشكلٍ خاص من خلال النقاط التالية:
- إن إنشاء وتطوير بنى تحتية في تركيا لاسيما الجسور والأنفاق ومد المزيد من شبكات المواصلات يعني الاهتمام الحكومي البارز في هذا القطاع الحيوي الذي يلقي بآثارها بشكلٍ مباشر على الاقتصاد التركي وكل ما يحيط به.
- إن تعزيز الاقتصاد المحلي عبر تهيئة الطرق والجسور والبنى التحتية المرافقة له والتي تسهم في زيادة الإنتاج والصناعة والتبادل التجاري ويسهل التنقل على الطرق السريعة داخل وخارج تركيا يمنح قوة وصلابة للاقتصاد ويزيد ثقة المستثمر في تركيا.
- مشاريع البنى التحتية هي مشاريع حكومية تأتي بتطوير من قبل السلطات المحلية التركية بالتعاون مع شركات خاصة وتشغيل الآلاف ما يعني فرص عمل للشركات والأفراد.
- تتأثر العقارات السكنية والتجارية والصناعية والسياحية بافتتاح المشاريع الإنمائية خاصةً الطرق والجسور ووسائل المواصلات العامة بشكل إيجابي كونها تسهل التنقل من وإلى تلك العقارات وتصبح عناوين الوصول إليها أسهل.
- وصول مترو الأنفاق أو الميتروبوس أو حتى الطرق السريعة العصرية لمنطقة ما يزيد من قيمتها الاستثمارية وقيمة الأراضي والعقارات الواقعة فيها.
- مد مدينة تركية ما بمشاريع بنى تحتية وإنمائية يعني أن الحكومة التركية مهتمة بهذه المدينة وبالتالي تجذب معها كبرى شركات الإنشاء الحكومية والخاصة لبناء مشاريع مرافقة لمشاريع البنى التحتية فيها.
- تعمل الحكومة التركية منذ عدة سنوات على إنشاء مدن جديدة بالكامل ذات أنظمة مقاومة للزلازل والكوارث الطبيّة ومزودة بتقنيات تكنولوجية مما يسهم بمنح حياة أكثر عصرية وتنظيم طرقي يتناسب مع التطور العمراني والتكنولوجي في تركيا والعالم.
تركيا ليست ببعيدة عن التطورات الحاصلة في العالم من ناحية التطوير العمراني وإعادة البناء وتشييد وتطوير البنى التحتية بما يعزز من قيمتها الاستثمارية وموقعها الذي يتوسط العالم ويسهل التنقل إليه براً وبحراً وجواً واستجابةً للعامل البشري من سكان ومقيمين وسياح في تركيا وتوفير كافة المرافق العامة والخدمية والسياحية لاستمرار معيشتهم في تركيا